للكاتب الشيخ علي بن عيسى تاني من كبار رجال المهرة والسقاطرة
بسم الله الرحمن الرحيم
وما أدراك ما سقطرى
أكرم مبارك عصبان
لقد منّ الله علينا بزيارة إلى جزيرة سقطرى بمعية الشيخ عوض سالم بن حمدين للدعوة إلى الله عز وجل ، وزيارة الإخوان في الله ، فأبى الجنان إلا أن يزجي هذه الخواطر عن تلك الجزيرة الجميلة
جزيرة مهمة
تعد جزيرة سقطرى ذات أهمية بالغة ، ترجع هذه الأهمية إلى ما حباها الله به من طبيعة جميلة ، وكنوز كبيرة ، وعجائب كثيرة ، جعل ذلك المؤرخين يفيضون في وصفها ، فلا يوجد أكبر منها جزيرة ، ولا أطيب منها كما قال ابن المجاور في تاريخ المستبصر ، وهي ذات نخل و بساتين ، و بها إبل و بقر وتكثر بها الأغنام ، و فيها ماء سائح على وجه الأرض و هو عذب فرات ، وبحرها غني بالأسماك . [1]
وهي مشهورة بنبت دم الأخوين والصبر الذي تتميز به قال الإدريسي : وأما جزيرة سقطرى فهي جزيرة واسعة القطر ، جليلة القدر ، بهية الأرض ، نامية الشجر ، وأكثر نباتها شجر الصبر ، ولا صبر يفوق صبرها في الطيب . [2]
وذكر ياقوت الحموي أنه يجلب منها الصبر ودم الأخوين وهو صمغ شجر لا يوجد إلا في هذه الجزيرة ويسمونه القاطر . [3]
لمحة تاريخية
قال القزويني : أما الصبر فصمغ شجرة لا توجد إلا في هذه الجزيرة ، وكان أرسطو كاتب الإسكندر يوصيه في أمر هذه الجزيرة لأجل هذا الصبر، الذي فيه منافع كثيرة ، فأرسل الإسكندر جمعاً من اليونانيين إلى هذه الجزيرة، فغلبوا من كان فيها من الهند وسكنوها . [4]
وأدرك البطالسة أهميتها فبذلوا مجهودًا كبيرًا في سبيل السيطرة على البحر الأحمر، والتوسع في المحيط الهندي، وأرسلوا من يكشف لهم عنها بغية الوقوف على أحوالها والاستفادة مما يحصلون عليه للتوسع التجاري والسياسي .
وظلت هذه الجزيرة محل الأطماع للنصارى ويدل على ذلك قصيدة فاطمة بنت أحمد الجهضمية الملقبة بالزهراء ، وكانت على رأي الإباضية ، وقد أرسلت قصيدة تستنجد فيها بإمام عمان الصلت بن مالك ت 275 هـ فأنجدها
أمست سقطرى من الإسلام مقفرة بعد الشرائع وافرقان والكتب
واستبدلت بالهدى كفرا ومعصية وبالاذآن نواقيساً من الخشب
جار النصارى على واليك وانتهبوا من الحريم ولم يالوامن السلب
إذ غادروا قاسما في فتية نجب عقوى مسامعهم في سبسب خرب
ووصفت له حال النساء من أحوال لو دراها كل مسلم ما وسعه إلا أن يهب للنصرة
من العجائب بها
وبها عجائب كثيرة منها أشجار نادرة تستخدم للعلاج وقد اشتهرت بدم الأخوين ، وهو صمغ أحمر أو عصارة حمراء ، وبها أنواع أخرى من شاكلته في العلاج .
ومنها أن أنهارها عذبة يخرج بعضها من كهوف الجبال وهي باردة زلال وينبع بعضها في البحر .
ومنها أن تربتها طيبة تخرج من الثمار العظيمة التي يتعجب منها الناظر .
ومنها أنه لا يوجد بها كلب ولا سباع وهذا يجعل الماشية تروح وتغدو ، كمالا يوجد بها من الطير الجارحة ذوات المخالب إلا ما يدعونه سوعيد لعله الرخمة .
وتهب على بعض ساحلها رياح عاتية ثلاثة شهور تعزلها عن العالم بحريا ، وتراهم يدخرون طعامهم لهذه الفترة ، وربما نفذ قبل انقضائها فيصيبهم الجهد .
حال الدعوة فيها
مما يسر الخاطر أن الدعوة فيها قد آتت كثيرا من ثمارها ، وتأثر المجتمع بكثير من تعاليمها ، وغادر الناس أعرافهم المخالفة للدين ، والتي تراكمت بسبب الجهل ، ولا ينكر أحد جهود جماعة الدعوة والتبليغ في ذلك إذ أن لهم السبق ، وقد صادفت مفاهيم الدعوة قلوبا خالية فتمكنت ، إذ أن أهلها يتميزون بالطيب ، ولم تتلوث الجزيرة كثيرا بما تلقيه المدنية من أوساخ ، والتقينا بأمير الجماعة الشيخ علي بن إبراهيم خالد فقد كان والده وزيراً للسلطنة العفريرية فوجدناه منفتحا على كل العاملين في الدعوة .
وقد غشيها من ريح الاختلاف بين الجماعات ما غشيها ، كما هو الحال في غيرها ، ولكن المأمول أن يلتقي الصادقون في الدعوة ، وكل على حسب جهده ، فمنهم من يسعى بجهده ، ومنهم بعلمه ، ومنهم بماله ، ومنهم بوقته ، كل يضرب بسهم في الغنيمة ، ولن يضيع الله عمل أحد .
ما أشبه اليوم بالبارحة
ذكرنا أهمية سقطرى قديما التي تكمن في السلع القيمة في أسواق العالم إذ ذاك مثل البخور والصبر والصمغ وغير ذلك، وهي سلع تشبه قيمة البترول اليوم ، ولكننا نرى التقاتا جديدا ، وسعيا محموما للسيطرة للإحاطة بهذه الجزيرة من قبل أساطيل كثيرة ، يدل هذا السعي على أن شيئا ما تخفيه هذه الجزيرة إضافة إلى موقعها لم تفصح عنه الأخبار ، فالله يحفظها من كيد الماكرين .
والجدير أن الزيارة كانت في وقت أمطار غزيرة عمت الجزيرة لتكتسي بعدها حلة خضراء تتلفع به تسر الناظرين . وقد طلب الشيخ أبو بشير عوض ابن حمدين تلخيص الزيارة شعرا فجاد الفكر بهذا النظم الموسوم بالمنظومة السقطرية :
المنظومة السقطرية
الحمد لله الذي أسدى النعم وعلم الإنسان علما بالقلم
ثم صلاة الله تغشى المصطفى وآله وصحبه ومن قفا
وبعد هذا النظم يحكي ما جرى في رحلة كانت إلى سقطرى
بصحبة الشيخ ابن حمدين الخبير بأرضها ومعه ابنه بشير
عمودها الدعوة للديان وانطلق الركب من الريان
ورأس أمرها لآداب ترام أما سنامها زيارة الكرام
منهم عليّ بن إبراهيم شيخ الجماعة على التسليم
وبيته فيه الوزارة تشاد لآل عفرار سلاطين البلاد
وورث الأولاد مجدا ظفروا فرضا وتعصيبا على ما ذكروا
فكان في استقبالنا الشيخ علي سهل الطباع وهو بالبشر ملي
ولا تسل عن أحسن الضيافة منذ وصلناها مع اللطافة
من شدة الحر أخذنا الأمتعة للنوم في ساحل حولاف سعة
وعكسه بدكسم تسر عين مشهورة بنبت دمّ الأخوين
وتحت ظلها غشانا الكرم رز وسمن روبة ولحم
إِرْهزْ وحامي ثم حِيلوبٌ وتاه بلغة القوم احفظنها غير لاه
توعد اذهب زوعمٌ اجلس وما تريد عيك ثم ريٌّهو تعني ماء
ومعنا ياسين أيضا وعوض يتحفنا قولا وبالأمر نهض
ونوجد ٌ زرنا ومحفرهن بها غار أوينا فيه من غيث هما
وكانت الأمطار فيها تسجم عاصفة مائية قد زعموا
ونلتقي بالناس في المساجد بالوعظ والإرشاد والفوائد
فمطر السماء تحيى الأرض به ومطر الوعظ القلوب تنتبه
لله ما أجمل ما رأينا ومن ثمار السفر جنينا
هم يزال صحبة الأماجد سياحة ودعوة البوادي
طباع أهلها على السجية والالتقاء بالأنف في التحية
عجائب بها ككبر في الثمر وشجر اللبان أيضا والصبر
والكلب لا يوجد فيها والذئاب سُوعيدُ قد ناب بها عن الغراب
جزيرة ذات جمال وحسب يذكر في التاريخ أيضا ونسب
وخلق في القوم من حين يراك فاظفر بذات الدين تربت يداك
من أجل ذا خطبها اليونان من قدم كما حكى الزمان
واليوم دونك الأساطيل بها بين يديها وكذا من خلفها
فالله يحفظها من المكر الكبير وقد تقضى نظمنا أبا بشير
[1]) تاريخ المستبصر 1 / 98 .
[1]) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق 1 / 13 .
[1]) معجم البلدان 3 / 227 .
[1] ) آثار البلاد وأخبار العباد 1 / 31 .