سقط بيت شعر للشاعر العمودي الأعمىاليمني الـمتوفّى عبد البردوني، وبقي بيت آخر واقفاً. قال في أحوال بلاده العجيبةقصيدة، منها "جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن"، ومنها (ما لـم يسقط أو يتساقط) قوله: "يمانيون في الـمنفى ومنفيون في اليمن".
هل عاش وقالها قبل تحقّق أمنية الوحدةاليمنية، أم مات ولـم يشهد بداية تفكّكها، وهي التي يحاول الرئيس اليمني الـمديد،علي عبد اللّه صالح، منع انفراط عراها باقتراحه، في عشرينية الوحدة، أن يجمع في "حكومة وحدة وطنية" بين "الحراك الجنوبي" و"حركة الحوثيين"؟ ماء وزيت لا يمتزجان،ولو بـ "حفنة" عفو عن "الحراكيين" وعن "الحوثيين" معاً.
"ح" حراك، و"ح" حوثيين و"ح" ثالثة هي "حكومة" مشتركة، علـماً أن السودان، وهي بلاد "الصمغ العربي" تبدو عاجزة عن منعانفصال جنوب البلاد الأسود الأفريقي عن شمالها العربي الأقلّ سواداً.. فكيف للعقيدالـمؤبد اليمني أن يكون نسر اليمن بجناح "حراكي" ذي جذور اشتراكية، وجناح "حوثي" ذيجذور أصولية ــ قبائلية؟
ستقولون إن أزمة الفكرة القومية (العروبة) ذات مسؤولية ما عن أزمة الدولة القطرية العربية (العراق، السودان،موريتانيا، أو يقترح "مركز دراسات الوحدة العربية" ببيروت فرعاً له في عدن وآخر فيصنعاء، أو يكتفي بندوة فكرية من ندواته، التي "تدبّ الصوت" في واد غير ذي زرعوضرع.
تُذكّرنا أزمة الوحدة اليمنية، التيتحققت بإرادة شعبية ثم عمّدت بقوة جيش الشماليين في اجتياحه عدن، بأزمة "الاتحادالـمغاربي" الثلاثي، الرباعي، الخماسي التي انتكست قبل أن يرى النور، هذا إن لـمتذكرنا بانفراط عُرى أول وحدة عربية "شعبية" سورية ــ مصرية، لـم تُعمّر سوى ثلاثسنوات ونصف السنة.
العراق، ومحنته وكونفدراليته وكياناتهالسياسية.. وحروبه الأهلية، وانتخاباته، موضوع آخر ذو صلة، وأما الوحدة اليمنية،فقد كانت حلـماً شعبياً مزمناً، حاول القفز عن واقع موضوعي (استعماري) طويل الأمد،حيث كان جنوب البلاد تحت الاستعمار البريطاني، وقد جلا عنه بقوة "مقاومة شعبية" فدائية حقيقية وباهرة، سطّرت تجربة غنية من حروب الـمدن والفيافي الصحراوية، تحتقيادة "الجبهة القومية" بقيادة عبد الغني مكاوي، وهي تحالف قومي عربي (ناصري وبعثي) مع قوى اشتراكية بعضها ماركسي صراحة، دعمتها مصر الناصرية. اليمن "الشمالي" تحرّر من ظلام الإمامة بانقلاب عسكري، قاده العقيد عبد اللّه السلاّل، بدعم ناصريعسكري فعلي، ما سبّب حرباً أهلية يمنية وأخرى عربية (مصر والسعودية) تم طيّهاعربياً بصلحة مصرية ــ سعودية بعد هزيمة حزيران الشهيرة.
لا شبيه لليمن الشمالي الإمامي فيانغلاقه حتى بانغلاق أفغانستان الـملكية.. وإن اشترك البلدان في سلسلة حروب أهليةــ دولية ــ عربية لـم تنقطع حلقاتها (يقولون إن حرب صنعاء مع الحوثيين الزيديين هيالحرب السادسة اليمانية)، وفي الدولتين فإن مؤسسة "الجيش" ومؤسسة "القبيلة" تتحالفان أو تتنافران.
اليمن الجنوبي، الديمقراطي، ذو تجربةمختلفة حتى الوحدة، لأن "مؤسسة الحزب" الاشتراكي اليمني كانت هي الأقوى، قبل أنتعصف بها، في البداية، خلافات الناصريين والبعثيين، ثم خلافات القوميينوالاشتراكيين الـمتطرّفين، الذين حلـموا بـ"حكم قرمطي" في جنوب البلاد.. ومن ثمّ،اقتتل الجناحان (بما يذكّر باقتتال جناحي البعث) فانقضّ الشمال القبلي على الجنوبالاشتراكي، وأغلق "مصنع البيرة" الوحيد في الجزيرة العربية، تاركاً لشعب اليمنالسعيد أن يغرق في "تخزين القات" وصنع "الجنبات" واقتناء أكثر من قطعة سلاح للفردالواحد. اليمن الـموحّد، بالقوة أو بحكومة "وحدة وطنية" يذكّرنا بسعي تركيا إلىدخول الاتحاد الأوروبي، سوى أن اليمن، الخروف الأسود في قطيع "مجلس التعاونالخليجي" يبقى خارج إطار مساعي التنسيق الخليجية الـمتعثّرة بدورها، ربما لأنه "الجمهورية" الوحيدة في شبه الجزيرة العربية.
.. وأيضاً؟ أيضاً ماذا؟ كان اليمنالـمقسوم "دولة مانحة" للفلسطينيين لجهة جوازات السفر قبل عهد السلطة الفلسطينية،وقد تمتّعت في منفاي وتنقّلت بجوازات سفر يمنية جنوبية، عدا كون اليمن دولة جمعتبعض أشتات قوات الثورة الفلسطينية بعد بيروت.
الآن، هناك جواز سفر واحد ــ موحّد،ويريد الرفاق القُدامى في "الحراك" العودة إلى ما قبله، لأن "الانفتاح" العدنيالشهير على العالـم، لا يستطيع الانفتاح الوطني على وحدة مع الشمال القبلي، فكيفيشترك في حكومة واحدة مع الأصوليين الحوثيين، ولو حاول "العقيد" أن يكون حكمه رأسالنسر و"الحراك" و"الحوثيين" هما جناحا حكومة وحدة وطنية. لعلّ الأفضل أن يبحثالزعيم في صنعاء عن تحويل "الوحدة" إلى "اتحاد فيدرالي" على غرار العراق وربماالسودان، ولكن ليس على غرار الصومال!.