إنَّ المدرسة مؤسسة اجتماعية حديثة العهد في العالم، فالأسرة ثم القبيلة هي الوسائل التي عرَفتها البشرية لتربية الأولاد وإكسابهم المهارات التي يُراد لهم تعلمها، وبقي الأمر كذلك حتى ظهر الإسلام، واستقرَّ حكمه في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان المسجد أول مدرسة جماعية منظَّمة عرَفَها العرب، لتعليم الكبار والصغار، ولتربية الرجال والنِّساء، وبقي المسجد يؤدي وظيفتَي العبادة والتربية الإسلامية، دون تمْييز واضح بينهما، حتى كان عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنشَأ في عصره إلى جانب المسجد أو بعض زواياه، كتاتيب للأطفال يتعلَّمون فيها.
وبتطوُّر الحياة أصبحت الحاجة ماسة إلى اتخاذ مكان يتعلم فيه الصغار، وإلى أشخاص ينوبون عن المجتمع في أداء هذه المهمة، وابتدأ إنشاء المدارس في الإسلام في أواخر القرْن الرابع الهجري، وكان يقوم بإنشائها بعض الأمراء وبعض الملوك؛ إذاعةً لنُفوذهم، أو خدمة لدينهم، أو نشرًا للنور والمعرفة بين شُعوبهم، ومِن أشهرها المدارس النظامية التي أقامها نِظام المُلْك السلجوقي، وبقي التعليم في هذه المدارس حرًّا لا مركزيًّا مِن حيث المناهج، والكتب والأساليب، مع ارتباطها ماليًّا بالدولة التي تجري لها الجرايات، وتُخصِّص لها الأوقاف والهِبات، دون أن يقيِّدها نظام معين، أو مناهج مَحدودة.
وبقي الأمر كذلك زهاء عشرة قرون حتى جاء الاستعمار الغربي إلى بلادنا، فعمَّ فيها نظام المدرسة الموحَّدة، والتعليم المركزي التابع لمركز العاصمة في البلاد، وللمستشارين الأجانب في الأقطار التي استُعمرت عسكريًّا.
والأسباب التي دعت إلى وجود المدرسة الحديثة بهذا الشكل الذي نراه اليوم يرجع معظمها إلى تغيُّر نظام الحياة السياسية في البلدان العربية والإسلامية.
للمدرسة عديد من الوظائف التربويَّة، منها:
1. تكميل مُهمَّة المنزل التربوية:
المدرسة هي البيت الثاني للطالب؛ حيث المعلمون والمربون يقومون بتربية الطفل حتى مرحلة النضوج العقلي، ومرحلةُ التربية والتعليم مِن أهمِّ المراحل التي تتولى تشكيل شخصية الولد والبنت من سنِّ الطفولة إلى سن المراهقة؛ حيث يتدرج الطالب في مراحل التعليم، وتترسب في هذه المراحل عناصر شخصيته.
2. وظيفة التبسيط والتلخيص:
إن تعقيد الحضارة المُعاصرة واتِّساع ثقافتها، وتشابُك الأمم والشعوب في المصالح والمنافع، والمُخترَعات التي زادت في سرعة الاتصال - كل ذلك وغيره، جعل الطفل الناشِئ بحاجة ماسة إلى تقريب المبادئ التي بُنيت عليها هذه الوسائلُ وتبسيطِها؛ بحيث يستطيع فهمها، والتعامل مع هذا الجو الحضاري العالميِّ الجديد، دونما دهشة أو ارتِباك، أو خوف أو ارتياب، أو غرور أو إعجاب، أو ترَف أو استهتار.
والتبسيط يجب أن يلتقي مع التلخيص، وهو اختِصار هذه المظاهر والعُلوم الواسعة المترامية الأطراف، في قوانين أو دساتير أو مبادئ يَسهل استيعابها، وتشمل أكبر قدر مُمكن مِن التطبيقات، ومما يَحتاجه الناشئ في حياته ومُجتمعه.
والتربية الإسلامية بأهدافها وأسسها تشمل هذا التبسيطَ والتلخيص.
3. وظيفة التصفية والتطهير:
تمرُّ العلوم أو العقيدة على عقول أجيال مُتتابعة من الناس والمُجتمعات، فلا تبقى على حالها، بل تتحمل كثيرًا من الشوائب، والعواطف الكاذبة، والمبالغات الخاطئة، والاعتبارات الشخصية أو الاجتماعية في ظروف معينة, والمدرسة عندما تقدم العقيدة والعلم إلى الناشئين، تَعمِد إلى تصفية الحقائق، وتنقيتها من كل الشوائب والأخطاء، والمبالغات والأكاذيب؛ لتبقى عقيدة الناشئين سليمةً، وعقولهم قويمة، ومعارفهم صحيحة. شامل, أدبيات, فن الكتابة, إسلاميات, أدعية, الأفضل, تغذية, فوائد, حكم وأقوال, حكم عن الحب, حواء, العناية بالجسم, صور, طبخ, أطباق رئيسية, كيف, منوعات, إنترنت.
4. توسيع آفاق الناشئ وزيادة خبراته بنقل التراث:
لا تكتفي المدرسة بتنمية خبرات الناشئ الناجمة عن احتكاكه بالبيئة في المواقف التي تضطره ظروفه إليها، بل تُكسِبه خبرات مِن تجارِب أجيال الإنسانية الماضية التي سبقتْه منذ قرون طويلة، وخبرات من تجارب الأمم الأخرى المعاصرة، وهو ما يُسمى في التربية الإسلامية بـ"إحياء التراث".
5. وظيفة الصَّهر والتوحيد وإيجاد التجانس والتأليف بين الناشئين:
يَرتاد المدرسة اليوم مئات الطلاب من البيئات المختلفة في الفقر والغنى، وفي الجاه والمكانة الاجتماعية، وغير ذلك.
المدرسة لا تصهر المواطنين والمتعلمين، ولا تحقق التجانس المطلوب بينهم، إلا إذا بنيت على أسس التربية الإسلامية وحقَّقت أهدافها.