كل العبادات تهدف إلى ذكر الله ولكن ذكر الله يكون حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله
حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها ماذا علمني؟ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلىٰ كُلِّ حَالٍ}[1]
ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله وإذا جاءت مصيبة في نظري فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن لقوله عز وجل {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} البقرة216
فبنو إسرائيل لما اعتقدوا أن الموت نقمة وذهبوا إلى سيدنا موسى وألحوا عليه وقالوا له: يا كليم الله اطلب من ربك أن يرفع عنا الموت فلا يموت منا أحد وكانوا قوماً شداداً في المكابرة والعناد فلما ذهب موسى عليه السلام إلى ربه وطلب منه ذلك فرفع عنهم الموت وابتلاهم بالأوجاع والأسقام والفقر وقلة الأقوات
فالمريض يشكو مُرَ الشكوى من الألم ولا يجد من يريحه وليس هناك موت كما طلبوا واشتد القحط وقلت الأقوات حتى أكلوا القطط والكلاب من قلة الأقوات وبخلت السماء بالماء وبخلت الأرض بالنبات وكانوا يأكلون بعضهم من قلة الأقوات والأرزاق ولا يجدون مناصاً ولا مخلصاً لهم
وبعد خمس سنوات ذهبوا إلى موسى وقالوا له اطلب من الله أن يأتينا بالموت لقد اشتقنا إلى الموت قال يا قوم ألم تطلبوه؟ ألم أنهاكم عنه وأنتم أصررتم على ذلك؟ قالوا ما كنا نعلم بالحكمة العالية التي من أجلها بعثه الله فدعا الله فاستجاب الله له ووجدوا أن الموت هو المصيبة فيما بينهم ووصفه ربنا على قدرنا أنه مصيبة وقال {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} المائدة106
لأن الموت يريح من اشتكى من السَقم ولا يجد من يريحه من شدة الألم ويفتح للناس الأبواب لكي يأخذ كل واحد منهم دوره في الحياة فلا يتمتع الشيوخ الكبار على حساب الشباب بل لكل واحد منهم قسط معلوم ومصير من الأقوات والأرزاق ونعم الحي القيوم فعلينا أن نقول عند الموت: الحمد لله على نعمه
وحتى المرض فهو نقمة على الكافرين لكنه نعمة للمؤمنين كيف يكون المرض نعمة؟ لأن الله يطهر به المسلم من خطاياه ويغسله من ذنوبه وآثامه حتى ورد في الأثر أن { مرض يوم يكفر ذنوب سنة}
وهذا إنما هو للمريض الصابر الذي لا يجزع ولا يشكو الله ولا يقول: لم خصصتني يا ربَّ بهذا الهم؟ ولم ابتليتني بهذا الغم؟ وأنا أصلي وفلان لا يصلي لأن هذا اختياره بعلم وحكمة وهذا اختيار العليم الحكيم
فالمريض الصابر الذي لا يشكو من مثل هذا كل يوم من أيامه يكفر عنه ذنوب سنة ولذا قال صلى الله عليه وسلم : يقول الله في الحديث القدسي { أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إيتَنِفِ العَمَلَ –استكمل العمل-}[2]
ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أن يمرض الرجل منهم قبل موته لما ورد في الأثر إذا أحب الله عبداً أمرضه قبل موته لماذا؟ ليرحمه ويمحو الذنوب التي عليه ويبدلها بحسنات ومكان الحسنة بعشر حسنات ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء على حسب قوة إيمانه وعلى حسب صبره وقدرته على تحمل المرض
حتى المرض نعمة من نعم الله لكن ليس معنى ذلك أن نرضى به ونسلم به ونترك التداوي وقد قال صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إِلاَّ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً}[3]
علينا أن نأخذ بالأسباب التي أوجدها مسبب الأسباب
[1] رواه ابن ماجة في زوائده، والبيهقي في الدعوات والحاكم في المستدرك عن عائشة وأبو هريرة [2] رواه السيوطي في الفتح الكبير والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة [3] أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك