يقول تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) لنتأمل هذه الآيات الكونية في السماء.
الرؤية العلمية للكون قرأت مقالة على مجلة العلوم الأمريكية تتحدث عن خاصية يتميز بها الكون، ألا وهي إرجاع الموجات التي بثها منذ بدايات خلقه، حيث تمكن العلماء من التقاط إشارات صادرة عن الكون قبل 13 بليون سنة، وسجلوها على أجهزتهم، تماماً مثل الصوت عندما يصطدم بحاجز ثم يعود فيتكون ما نسميه صدى الصوت. فقد دلت الدراسات والتجارب على أن للكون بداية، وأثبت العلماء هذه الحقيقة الكونية بالبرهان المادي من القياسات الفلكية، وبالتالي أثبتوا بطلان النظريات المادية التي تدعي أن الكون موجود منذ الأزل. ويؤكد العلماء أن الكون يتوسع باستمرار، لأنه بدأ من كتلة واحدة ثم انفجرت هذه الكتلة وتبددت في هذا الكون وتحولت المادة إلى نجوم ومجرات وكواكب...
والآن يجري رصد تلك الموجات التي بثها الكون لحظة "ولادته" ولا زالت تتجول في الكون إلى يومنا هذا، وبالتالي هناك صدى لهذا الانفجار الذي حدث في بداية الكون لا يزال مستمراً إلى يومنا هذا، يرجع ويتكرر.
رسم يمثل تطور الكون من لحظة الولادة وحتى يومنا هذا، ونلاحظ أن الكون بدأ من نقطة ثم توسع وتشكلت المجرات خلال أكثر من 13 بليون عام، والأمواج التي بثها في بداية نشوئه لا تزال ترجع إلينا حتى الآن. المصدر: Scientific American
الرؤية القرآنية للكون طبعاً الكون لا يمكن أن يبدأ بانفجار! لسبب بسيط وهو أن الانفجارات تكون عشوائية ومدمرة ولا يمكن أن تنتج أي نظام. وإذا ما تأملنا كل شيء من حولنا في هذا الكون الواسع فإننا نرى النظام يتجلى في كل شيء من الذرة إلى المجرة، ولذلك فإن العلماء الماديين يردون أي ظاهرة يرونها إلى الطبيعة، ولكننا نحن المسلمين نردها إلى الله تعالى! ولذلك يقول تبارك وتعالى عن نفسه:
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام: 101-103].
وهكذا فإن القرآن لم يذكر كلمة "انفجار" أبداً في بداية الكون، بل نجد القرآن يستخدم كلمة (رَتْقًا) للتعبير عن البداية الحقيقية للكون، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30].
الانفجارات لا يمكن أن تبني أو تنتج أي نظام، بل تنتج الفوضى والدمار، ولذلك فإن علماء الغرب يخطئون كثيراً باستخدامهم مصطلح الانفجار الكبير، لأنه لا وجود للفوضى في الكون، فكيف تكون بداية الكون انفجاراً؟ ولذلك عبر القرآن عن بداية الكون بالرتق، فتأمل هذه الكلمة التي تشير إلى النسيج كم فيها من نظام وإحكام!
وهذا ما وجده العلماء أو وجدوا إشارات له، حيث قاموا برسم صورة مصغرة للكون باستخدام الكمبيوتر العملاق، وكانت النتيجة أن المادة تتوزع في الكون على شكل "نسيج كثيف" تم حبك خيوطه بإحكام. وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى:
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7].
هذا هو شكل كوننا الذي نعيش فيه كما يظهر قبل بلايين السنين، المادة تتوزع على خيوط تشبه النسيج، وتتباعد باستمرار عن بعضها، ويحدث التوسع باستمرار. المصدر: Max Plank Lab.
ثم بدأ هذا النسيج الكثيف بالانفتاق وتباعدت خيوطه عن بعضها، ولا زال هذا التباعد حتى اليوم. وبالتالي فإن الكون يتسع باستمرار وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى:
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47].
والمهم في بحثنا هو أن الله تعالى قد حدثنا عن خاصية جديدة للكون وهي خاصية إرجاع الموجات الجذبية على شكل صدى رصده العلماء أخيراً، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى:
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) [الطارق: 11]. أي أنها تُرجع لنا الأحداث التي مرت بها في الزمن الماضي وكأننا نراها!
وهنا أتساءل لماذا خلق الله هذه الخصائص وحدثنا عنها في كتابه؟ هل لمجرد حب الاطلاع والمعرفة أم أن هناك هدفاً آخر؟ إننا لو تأملنا الآيات السابقة نلاحظ أنها موجهة لأولئك المشككين بالقرآن:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، والهدف منها إثبات أن القرآن، كلام الله تعالى:
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق: 13]. فكم أتمنى أن نصل إلى عقول هؤلاء العلماء ونطلعهم على هذه الحقائق الكونية، وإنني على ثقة بأنهم سيغيرون نظرتهم إلى الإسلام بل ربما سيكونون من أشد المدافعين عن الإسلام!
نسأل الله تعالى أن يجعلنا هداةً مهديّين بإذنه، اللهم إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل