لعل سائلاً يسأل: إذا كان الله سماواته مملوءة بملائكته المقربين منهم المسبحون ومنهم المهللون ومنهم المكبرون ومنهم الداعون ومنهم الراكعون ومنهم الساجدون ولا يخلو موضع أربع أصابع من السماوات إلا وفيه ملك يعبد الله عبادة مستقرة إلى يوم الدين ناهيك عن أن الله يذكره ويسبحه جميع الكائنات حتى الحيوانات حتى الجمادات كل الكائنات يقول فيها رب العزة {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ}الإسراء44
وهو غني عن ذلك كله إذاً لماذا فرض علينا العبادات؟ فرض الله علينا الصلاة وزاد ففرض علينا الصيام وزاد ففرض علينا الحج إلى بيت الله وزاد ففرض علينا فريضة الزكاة إن الله فرض علينا هذه الفرائض لحِكَمٍ لا تُعد وأسرار لا يُحيط بها أحد نكتفي بسر منها جميعاً جعله الله هو السبب في صلاح أحوالنا وإصلاح مجتمعاتنا
وما علاقة الصلاة والصيام والزكاة والحج بإصلاح المجتمعات؟ لأن الله جعل شرط قبول هذه الأعمال عنده أن تتحقق النتائج الطيبة والآثار الملموسة بعد أداء هذه العبادات في المجتمعات بين خلق الله الذين أتعايش بينهم فإذا صليت لله ما علامة قبول الصلاة؟ يقول لنا فيها الله {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} العنكبوت45
إذا انتهى المصلي قبل وبعد الصلاة عن جميع الفحشاء وعن فعل المنكرات وعن الإساءة للمسلمين والمسلمات كان هذا دليل على أن الله تقبل عمله وسيُثيبه بهذا العمل أجراً عاجلاً في دنياه وأجراً كبيراً آجلاً في أخراه يقول فيهما الله في كتابه {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل97
هذا هو الأجر العاجل في الدنيا أما الأجر الآجل في الآخرة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل97
إذاً علامة قبول الصلاة حُسن تعامل المؤمن مع إخوانه المؤمنين إن كان في المسجد أو في الشارع أو في العمل أو في السوق أو في أي موضع وجعلها الله في جماعة توطيداً للعلاقات بين المسلمين وزيادة في الروابط بين المؤمنين حتى نتعارف فيما بيننا ونُساعد بعضنا في حل مشكلاتنا فإذا افتقدنا أحدنا في المسجد في يوم بحثنا عنه وذهبنا إليه وسألناه فإن كان له مشكلة واستطعنا حلها قمنا بحلها له وإن لم نستطيع عاوناه لأن المؤمنين يقول فيهم رب العالمين {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} المائدة2
لا بد من التعاون بين المسلمين ولا يتم التعاون إلا إذا اجتمعنا وتعارفنا وتآلفنا وتكاتفنا وتساندنا ولذلك يقول لكم الرسول صلي الله عليه وسلم {الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا}[1]
والصيام: سُئل نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام: لِمَ تصوم وأنت على خزائن الأرض؟ قال (حتى لا أنسى الجائع) أمرنا الله أن نصوم لنجوع فنحس بإخواننا الجائعين ونستشعر إخواننا الفقراء والمساكين نسوق إليهم شيئاً من الخير الذي وكلنا بإنفاقه رب العالمين والمال مال الله والعبيد عبيد الله والذي يُنفق يعمل بقول الله {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد7
فتتم المشاركة بين المؤمنين حتى أن النبي جعل من لا يشعر بأخيه الجائع إيمانه غير تام فقال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام {لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ}[2]
وجعل فريضة الزكاة فيها فرض فرضه الله للفقراء والمساكين لم يجعله صدقة تطوعية متروكة للأريحية لأن الإنسان طبيعته البخل في الإنفاق لكنه جعله فريضة وحق يحاسبه عليه مولاه أن يُعطي نصيباً مما أفاء عليه مولاه للفقراء والمساكين ويعلم علم اليقين أن هذا حقهم فلا يمن عليهم بالإعطاء ولا يُجرح وجوههم بالمعايرة بأنه قدم لهم شيئاً لأن هذا حقهم قد أخذوه والذي فرض الحق هو رب العالمين
وجعل الحج مؤتمراً عاماً لتعارف المؤمنين في كل القارات والأقطار وجعل أساس هذا الاجتماع العام صفاء النية وإخلاص الطوية وخلاص القلب من جميع الأمراض والأحقاد والأحساد الدنيوية حتى يكون المؤمنون على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم كأنهم رجل واحد ولذا حذر المسافرين مما يثير النكد في القلوب ويؤجج الأحقاد في النفوس ويؤلب الأُخُوة ويجعلها عداوة ولا يليق ذلك في رحاب بيت الملك القدوس فقال للحُجاج المسافرين {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة197
منعهم عن الحديث عن النساء أو مع النساء بالكلية وعن جميع المعاصي الظاهرة والباطنة حتى أنه لا يحاسب على الهم بالمعصية إلا في البيت الحرام إذا همَّ الإنسان هناك بمعصية حوسب عليها { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج25
مجرد الإرادة والهم يحاسبه عليه مولاه ونهى عن الجدال لأنه يثير الشحناء ويؤجج البغضاء ويجعل الأخوة متنافرين بعد أن كانوا متآلفين وجعل الله هذه العبادات كلها شرط أدائها الطهارة الظاهرة والباطنة لله فقال النبي صلي الله عليه وسلم {مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ}[3]
الطهارة الظاهرة بالماء والطهارة القلبية من جميع الأمراض التي حذر منها الله ونهى عنها رسول الله وهي الأمراض التي تُسبب فساد المجتمعات مثل الحقد والحسد والغل والكره والبغض والشح والأنانية وكل هذه الأمراض الشخصية هي التي تؤدي إلى سوء العلاقات الاجتماعية وإلى تشرذم الأفراد وإلى انتشار ما نراه فيما بيننا الآن من مساوئ لا عد لها ولا حد لها ولذلك قال الله في جماعة المؤمنين {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47
لا يليق بالعبد أن يقف بين يدي مولاه وهو يعلم علم اليقين أن موضع نظر الله منه هو قلبه ويكون في هذا القلب حقد أو حسد أو غل لأحد من المسلمين وهي الأمراض التي تعصف بالمجتمع كما نرى الآن الكل في الإسلام يسعى لمصلحة الكل ليس كل رجل يسعى لمصلحة نفسه وينسى من حوله لأن النبي قال لنا {لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ بِاللَّهِ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}[4]
والصيام جعله النبي صلي الله عليه وسلم وقاية من كل الذنوب والآثام التي تُقطع العلاقات بين الأنام {إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ }[5]
أما الزكاة فقد قال فيها الله {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}التوبة103
فهي طهرة للقلب وطهرة للنفس فالعبادات تُطهر باطن الإنسان فيتعلق بالقيم القرآنية والأخلاق المحمدية فيحرص على ود إخوانه ويحرص على صلة أرحامه ويحرص على بر أبويه ويحرص على مصلحة جميع المؤمنين لأنه يريد رضاء رب العالمين
[1] الصحيحان البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد [2] المستدرك وسنن البيهقي [3] سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد [4] الصحيحين البخاري ومسلم وسنن الترمذي [5] البخاري والنسائي ومسند الإمام أحمد
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]
ابو مازن
مؤسس المنتدى
البلـد/الاقامة :
مشاركات : 13865
الانتساب : 21/03/2010
6/13/2013, 8:32 am
بارك الله فيكِ اخت نوره على الموضوع الطيب وجزاكِ الله خير واهلا وسهلا بكِ