[مقال] شَعْوَذة إعلاميّة!!زينب علي البحراني
فيما مضى كانت الطبقات الواعية من المُجتمع تترفع عن زيارة خرائب الدجل وأوكار الشعوذة
حرصًا على دينها، وسُمعتها، ومكانتها الإنسانيّة والمُجتمعيّة. وكان أكثر الواعين
من المتعلّمين يُجاهر بسخريته من تلك الخرائب والأوكار التي تستهتر بعقول البسطاء
لتشفط ما في جيوبهم في ساعة تخدير نفسي، ويستميت في محاولات توعيته لأولئك الذين لم
تحالفهم الظروف بفرص مُشبعة من التعليم والثقافة. وهاهي الموازين تنقلب اليوم بعد
أن دخلنا عصرًا جديدًا صارت فيه وسيلة من وسائل المعرفة وجهًا آخر لاستغلال أغلبية
أفراد المجتمع بابتزاز عواطفهم، وتوجيه زوايا رؤاهم نحو بؤر العنف والفوضى التي
تُخطط لها سلفا في مطابخ الأخبار المسلوقة، وكاد الإعلام يفقد ما يستحقه من مهابة
واحترام بعد أن غدت بعض القنوات الفضائية الخاصة، وقنوات الإعلام الإلكتروني الجديد
تطلق الخرافات والخزعبلات في صورة أخبار شحيحة المصداقية، وصور فوتوشوبيّة مفتعلة،
ومقاطع متحرّكة مُفبركة، يُصدقها السذج من الناس دون وقفة تأمّل أو مراجعة، منقادين
للفوضى، والصدامات، وإثارة العداوات بين من كانوا ذات يوم من أعز الأصدقاء!
لن نناقش هنا الطريقة المثلى لمحاكمة قنوات الشعوذة الإعلامية التي امتطت وسائل
الإعلام الجديد على بساط الخبث الإعلاني وبهاراته السامة، لكننا بحاجة فعلية لتقوية
مناعة الرأي العام إزاء تلك السموم التي تقدّم في أطباقها الجذابة بوسائل توازي
جاذبيتها إن لم تسبقها وتتفوق عليها. وإذا كان بعض القائمين على تلك الوسائل التي
لا رقابة عليها غير رقابة الله ثم الضمير يتعاملون مع عامة الناس كـ "عقليّات
مستهلِكة"؛ تسارع بالتهام الخبر المُتبّل بالتشويق وإن لم يمت إلى الواقع بأدنى
صلة، فيجدر بقنوات الإعلام الجديد التي تدار بأيدٍ نزيهةٍ أمينة بذل أقصى ما بوسعها
لمقاومة تلك الشعوذة بأساليب نظيفة تجمع بين احترام عقل المتلقي وجذب اهتمامه دون
إبداء لتحيز أو انفعال أو وجهات نظر شخصية، مثلما يجدر بقنوات الإعلام التقليدي
الرّسمية اتخاذ خطوات قادرة على منافسة تلك الأخرى في سرعة النقل الموضوعي للخبر
الموثق، لتفوز الحقيقة النقية في مضمار هذا السباق الإعلامي الخطير.