في اللقاء الجماهيري الذي نظمته الزميلة (القبس) لضيفتها اليمنية توكل كرمان الحائزة جائزة نوبل للسلام في دورتها الاخيرة، وهي الجائزة التي الصدفة، والصدفة وحدها جعلت منها امرأة اخرى غير عادية. بعدما كانت تقبع في العزلة في بلدٍ الأكثر تخلفا وعزلة في العالم. لتكون امرأة يشار لها بالاعجاب حينا وبالحسد والغيرة في غالب الاحايين ولا سيما من قريناتها وبنات جنسها في وطنها اليمن وفي خارج اليمن. ثم تشرع امامها ابواب قصور الحكم في عواصم عالمية ويستقبلها الرؤوساء والقادة. والسياسيون والنخب الاجتماعية والثقافية .. الخ، في ذلك اللقاء الجماهيري الذي انعقد في كبرى قاعات شيراتون الكويت. رفعت توكل كرمان كلتا يديها الى الهواء لتجرأ بالقول وهي تخاطب الحضور الجماهيري «اعتذر لكم عن كل حماقة ارتكبها اليمني المستبد المخلوع بحق الكويت واهلها» ثم .. عرجت بعد ذلك على الدور الكويتي الريادي في الوطن العربي الذي هو محل الاعجاب وحبها هي (توكل) للكويت.
ان تعتذر هذه المرأة اليمنية بعد ما ينيف عن العشرين سنة من جريمة الغزو العراقي للكويت والموقف الخسيس والمتآمر للرئيس اليمني المخلوع الشاويش علي عبدالله صالح. فلئن كان محل التقدير لكن في الواقع لا يغير من الامر شيئا. لأن خلافنا او نزاعنا ليس مع الشعب اليمني الذي نبادله الحب بالحب والذي كان هو الآخر ضحية لنظامه المضلل والمتآمر. فيما لم تكن هذه المرأة الشابة توكل كرمان حينذاك عندما حصل الغزو الا طفلة صغيرة لم تبلغ بعد الحلم. لذلك نظن اذا كان ثمة اعتذار يمني مطلوب فلا اقل من ان يأتي هذا الاعتذار من فوق واقصد من الحكومة اليمنية التي تكثفت زيارات كبار مسؤوليها للكويت في السنوات الاخيرة وكان اخرها الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء المؤقت محمد سالم باسندوه في اطار جولته الخليجية لطلب دعم مالي لحكومته..!!
وثانيا: ان تعتذر توكل كرمان. فهذا شيء جيد. ولكن في ظني هذا الاعتذار لا يخرج عن النطاق الشخصي بمعنى تعبر عن نفسها فقط لا غير. حيث لم يخولها اليمنيون عن تقديم الاعتذار. ذلك ان اليمنيين مختلفون ازاءها واما شباب الثورة فلم يمنحوها صكا رسميا للتحدث باسمهم. لقد كان على توكل كرمان قبل ان تلتفت هنا وهنالك وتتنقل من عاصمة عالمية الى اخرى. فتقابل زعماء العالم والقيادات العامة ان تلتفت الى الداخل اليمني. وتهتم بقضايا وطنها. وقضايا شعب الجنوب الذي يسقط كل يوم عشرات القتلى برصاص القوات اليمنية الهمجية من دون ان يرف جفن او ينزل دمع او يعلو صوت يدافع عن حق هذا الشعب المظلوم المسالم والمتروع من السلاح، سلاحهم فقط الايمان بالله وبقضيتهم العادلة وبحقهم في وطن حر مستقل، فاين انت يا أبنة كرمان يا ابنة تعز الابية الثائرة، لماذا تجاهلت قضية الجنوب، ونضال اهل الجنوب السلمي، وكأن الجنوبيين من كوكب آخر، لا امة حية استحقت الحياة؟! اقول ذلك لانني اعرف جيداً انها ضد الانفصال وضد تقدير المصير للجنوب.
ان الجنوب الذي تآمر عليه الثلاثي علي صالح وصدام حسين والملك حسين كان فصلاً من مؤامرة كبرى خبيثة وقذرة بدأت بالجنوب فانتقلت لاحتلال الكويت بالقوة الغاشمة، ولولا يقظة واحساس القوى العالمية لخطورة زوال الكويت من على خريطة المنطقة. فتسارعت للدفاع عنها لتمادت المؤامرة الثلاثية الى بقاع اخرى في الخليج والجزيرة العربية..!!
أسأل حيدر ابو بكر العطاس الرئيس السابق للجنوب قبل الوحدة ورئيس الوزراء ابان الوحدة في زيارته الاخيرة للكويت وقد التقيته في جناحه الخاص في الفندق الذي كان ينزل فيه، سألته ألم تكن الوحدة اليمنية مؤامرة؟ لم يتركني حتى اكمل السؤال فبادرني سريعاً «نعم الوحدة كانت مؤامرة. وانا (العطاس) لم اكن موافقاً على الوحدة». الحديث مع القيادي الجنوبي كان متشعباً وطويلاً. تناول القضية الجنوبية والقضايا اليمنية والخليجية والربيع العربي.. ليس هنا مكانه..
يجدر بهذه المرأة اليمنية الشابة وأعني توكل كرمان التي تحولت من امرأة تقبع في الظل الى امرأة تسلط عليها الاضواء العالمية والكلمة المسموعة بألا تستحلي دورانها على العواصم العالمية وتروج لنفسها بقدر ماينبغي توظيف شهرتها ومكانتها العالمية لشرح قضايا وهموم وطنها اليمن والوقوف الى جانب المظلومين والمقهورين والمهمشين في اي مكان في العالم. فالناس وان اختلفت مشاربهم والوانهم وألسنتهم، لكن مايجمع الناس هي الانسانية الواحدة والهموم الواحدة. لاسيما انها تحمل جائزة في السلام..
أخيراً.. شكراً لك ياسيدتي اعتذارك للكويت.. ولكن اعتذارك مثل الشيك الذي بلا رصيد غير قابل للصرف.. واذا كان ثمة اعتذار فليكن من حكومتك.. وهذا اقل المطلوب ولكن لا يبدو ان ذلك وارد في ذهنهم..!!
حسن علي كرم