إن مما تعبدنا الله به إراقة دماء الأنعام التي خلقها الله تعالى لعباده قال تعالى :( والأنعامَ خلقها لكم فيها دِفْءٌ ومَنَافِعُ ومنها تأكلون ) [النحل5]
، وسمى الله إراقة دماء الهدي في فدية الحج نُسُكا قال تعالى :( ففدية من صِيَامٍ أو صَدَقةٍ أو نُسُكٍ ) [البقرة196] ، هذا وقد تكون هذه العبادة
واجبة كما في حج القران والفدية والنذر ، أو مندوبة كما في الأضحية والعقيقة ، أو مباحة إذا كانت للأكل والادخار ، فإذا تحققنا من كون هذا الفعل
عبادة فاعلم أن صرفها لغير الله يخرجها من كونها قربة تؤجر عليها إلى ميتة يحرم أكلها ، ويأثم فاعلها بل وقد يكفر ،
قال تعالى :( حُرِّمت عليكمُ الميتةُ والدمُ ولحمُ الخنزيرِ وما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ به ..) [المائدة3] ، وفي قوله (وما أهل لغير الله به) تأويلان :
أحدهما : ما ذبح لغير الله ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعطاء .
والثاني : ما ذكر عليه اسم غير الله ، وهو قول الربيع وابن زيد .
وأصل الإهلال رفع الصوت ، وكان أهل الجاهلية إذا ذبحوا لآلهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح
وإن لم يجهر بالتسمية مهل .
وجاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) قال الإمام النووي في شرحه :
وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عيهما أو للكعبة
ونحو ذلك ، فكل هذا حرام ، ولا تحل هذه الذبيحة ، سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا ، نص عليه الشافعي ، واتفق عليه أصحابنا .. اهـ .
وان مما يندرج تحت الذبح لغير الله ما يذبح للتقرب إلى الجن أو السلطان أو الولي بل قال صاحب الروض ابن المقري
: إن المسلم إذا ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم كفر اهـ .
كما يجب أن نفرق هنا بين "ما يذبح لغير الله ، وبين "ما يذبح لله استبشارا بقدوم فلان مثلا أو شكرا على نعمة
معينة ونحوه كالضيافة فالأول يحرم وهو من كبائر الذنوب ، والثاني يحل فتنبه.
وهذه بعض الآثار عن السلف :
- قال يحيى بن يحيى : قال لي وهب : استنبط بعض الخلفاء عينا وأراد إجراءها وذبح للجنّ عليها لئلاّ يغوروا ماءها فأطعم ذلك ناسا ،
فبلغ ذلك ابن شهاب الزهري ، فقال : أمّا إنّه قد ذبح ما لم يحلّ له ، وأطعم النّاس ما لا يحلّ لهم فقد « نهى رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم عن ذبائح الجنّ » .
الاستنباط : إستخراج الماء من العين ، من قولهم : نبط الماء ، إذا خرج من منبعه . [مختار الصحاح مادة (نبط)]
الغور : القعر ، وغور كل شيء : عمقه وبعده ، والماء الغائر الذي لا يُقدَر عليه . [لسان العرب مادة (غور)]
- قال ابن عطية رحمه الله تعالى : رأيت في أخبار الحسن بن أبي الحسن : أنه سئل عن امرأة مترفهة صنعت للعبها عرسا ،
فذبحت جزورا ، فقال الحسن : لا يحل أكلها ، فإنها نحرت لصنم .
كتبه زائر حوف