بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل وسلمعلى نبيك.. محمد صلى الله عليه وسلم
بادئذي بدء ..
سأذكر .. ثلاثة آراء .. من أفواه أهل العلم ..
أماالأول : فالعالم عبد العزيز ابن باز
و الثاني : الشيخ عليالطنطاوي
و الثالث : الشيخ عائض القرني
بالنسبةلرأي الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله :فقد ذكر الدكتور عبد الرحمنالعشماوي أنه سأل الشيخ العالم عبد العزيز بن باز رحمه الله عن شعر الغزل فأفتىبجوازه بشرط أن لا يكون فيه تبذل ولا إسفاف ولا يقصد به شخصاً بعينه .
و قد ذكرذلك الدكتور في مقابلة له .. متواجدة في شريطين و تُباع في التسجيلات الآن .
بالنسبة لرأي الشيخ الطنطاوي :فقد ذكر رأيه في " غزلالفقهاء " و كذلك في بعض أقواله في " فلسفة الحبّ عند الشيخ علي الطنطاوي " و الذيعرضه عليه المؤلف قبل نشره .. فوافقه عليه الشيخ
و لا أظن أن هناك من يجهل قدرالشيخ ، أو سعة علمه .. يكفيه مجلسه الخاص بالإفتاء في الحرم المكي ، و الذي لم يكنليصل له لولا سعة علمه و صحّة منهجه ...
و هذه مقتطفات من " غزل الفقهاء " ... يقول الشيخ رحمه الله :
( قال لي شيخ من المشايخ المتزمتين ، وقد سقطإليه عدد من الرسالة ، فيه مقالة لي في الحب
مالك والحب ، وأنت شيخ وأنت قاض، وليس يليق بالشيوخ والقضاة أن يتكلموا في الحب ، أو يعرضوا للغزل؟! إنما يليق ذلكبالشعراء ، وقد نزه الله نبيّه عن الشعر ، وترفع العلماء وهم ورثة الأنبياء عنه ،وصرح الشافعي أنه يزري بهم ، ولولا ذلك كان أشعر من لبيد
فضحكت ، وقلت له :
أما قمت مرة في السحر، فأحسست نسيم الليل الناعش ، وسكونه الناطق... وجماله الفاتن ، فشعرت بعاطفة لا عهد لك بمثلها ، ولا طاقة لك على وصفها؟
أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة ، من مغنّ حاذق قد خرجت من قلبه ،فهزّت منك وتر القلب ، ومسّت حبّة الفؤاد ؟
أما خلوت مرة بنفسك تفكر فيالماضي فتذكر أفراحه وأتراحه ، وإخوانا كانوا زينة الحياة فطواهم الثرى ، وعهدا كانربيع العمر فتصرم الربيع ، فوجدت فراغا في نفسك ، فتلفت تفتش عن هذا الماضي الذيذهب ولن يعود ؟
أما قرأت مرة قصة من قصص الحب، أو خبراً من أخبار البطولةفأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك ، وبمثل جناح الطير يخفق في صدرك ؟
أمارأيت في الحياة مشاهد البؤس ؟ أما أبصرت في الكون روائع الجمال ؟ فمن هو الذي يصورمشاعرك هذه ؟ من الذي يصف لذائذك النفسية وآلامك ، وبؤسك ونعماءك ؟ لن يصورهااللغويون ولا الفقهاء ولا المحدثون ، ولا الأطباء ولا المهندسون . كل أولئك يعيشونمع الجسد والعقل ، محبوسين في معقلهما ، لا يسرحون في فضاء الأحلام ، ولا يوغلون فيأودية القلب ، ولا يلجون عالم النفس... فمن هم أهل القلوب ؟
إنهم الشعراء ياسيدي، وذلك هو الشعر!
إن البشر يكدّون ويسعون ، ويسيرون في صحراء الحياة ،وقيد نواظرهم كواكب ثلاثة ، هي هدفهم وإليها المسير، ومنها الهدي وهي السراج المنير، وهي الحقيقة والخير والجمال ، وإن كوكب الجمال أزهاها وأبهاها ، إن خفي صاحباه عنبعض الناس فما يخفى على أحد ، وإن قصرت عن دركهما عيون فهو ملء كل عين، والجمال بعدأسّ الحقائق وأصل الفضائل ، فلولا جمال الحقيقة ما طلبها العلماء، ولولا جمال الخيرما دعا إليه المصلحون. وهل ينازع في تفضيل الجمال إنسان؟ هل في الدنيا من يؤثرالدمنة المقفرة على الجنة المزهرة ؟ والعجوز الشوهاء على الصبية الحسناء ؟ والأسمالالبالية على الحلل الغالية ؟
فكيف يكون فيها من يكره الشعر (أعني الشعرالحق، الذي يجمع سمو المعنى، وموسيقى اللفظ، لا هذا الهذيان الذي نقرؤه الآن -الذييدعونه الشعر الحديث- شعر الحداثة أي الحدث الأكبر الذي لا يتطهر منه صاحبه إلابالغسل) ، وهو جمال القول ، وفتنة الكلام ؟ وهو لغة القلب فمن لم يفهمه لم يكن منذوي القلوب. وهو صورة النفس ، فمن لم يجد فيه صورته لم يكن إلا جماداً. وهو حديثالذكريات والآمال، فمن لم يذكر ماضيا ، ولم يرج مستقبلا ، ولم يعرف من نفسه لذة ولاألما ، فليس بإنسان إنه شاعر لأن الشاعر يأتيه الوحي من داخل نفسه ، والنبي يجيئهمن السماء، وهذا الذي لم تدركه العرب، فقالوا قولتهم التي ردها اللهعليهم!
وأين وجدت حرمة الشعر، أو مذمته من حيث هو كلام جميل، يصف شعورانبيلا ؟ إنما يقبح إذا اشتمل على الباطل، كما يقبح كل كلام يشتمل عليه.
ومنأين عرفت أن العلماء قد ترفعوا عنه ، والكتب مملوءة بالجيد من أشعارهم ، في الحبوالغزل ووصف النساء ؟
أو ما سمعت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أصغى إلى كعبوهو يهدر في قصيدته التي يتغزل فيها بسعاد… ويصفها بما لو ألقي عليك مثله لتورّعتعن سماعه… وتصاممت عنه ، وحسبت أن التقى يمنعك منه وذهبت تلوم عليه ، وتنصحبالإقلاع عن قائله...ـ
وما سعاد غدة البين إذ برزت * * * كأنها منهل بالـراحمعلـول
هيفـاء مقبلة عجـزاء مدبرة * * * لا يشتكي قصر منها ولا طول
وأنعمر كان يتمثّل بما تكره أنت.. من الشعر، وأن ابن عباس كان يصغي إلى إمام الغزلينعمر بن أبي ربيعة ، ويروي شعره ؟ وأن الحسن البصري كان يستشهد في مجلس وعظه ، بقولالشاعر:ـ
اليوم عندك دلها وحديثها * * * وغدا لغيرك كفها والمعصم
بالنسبة لرأي الشيخ عائضالقرني :
( السؤال: هل من الجائز أن أتغزل؟ وهل الشرع يبيحالغزل؟
الجواب: أما الغزل فمباح في الحدود، وأنا أحفظ منه كثيراً، والشيخ عليالطنطاوي هو أستاذنا وشيخنا، وقد زرتُه في حياتي مرتين رحمه الله، وهو يختار أجملقصائد الغزل البرئ العفيف النظيف، وقد قطَّع قلبي بعضُه، وقد استخدمتُه في الحب وفيالدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، حتى أن شاعر إيران السعد الشيرازي يقول:
بكت عينيغداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا
فعاقبتُ التي بالدمع ضنت بأن أغمضتهايوم التقينا
وسبقه الأعور السلمي ، وهو شاعر عظيم، وكل الشعراء عندي عظماء، كانله ابنٌ رزقه بعد أن كان عقيماً، فربَّاه، فلما بلغ معه السعي مات فجأة، فبكىبالعين الصحيحة، وبكت العوراء أيضاً، هي يابسة، لكنها بكت من شدة البكاء، فترجم ذلكفقال:
بكت عين ليس فيها غضاضة وعين بها ريب من الحدثانِ
عَذِيْرُكِ يا عينيالصحيحة والبكا فما لك يا عوراء والهملانِ
وهذا هو الأدب الراقي.
ومن أحسنالقصائد شعر الشهرزوري ، وهو عالم كبير, ولكنه تغزل في قصيدة فصارت أم قصائد الغزل،يقول فيها:
لَمَعَتْ نارُهم وقد عسعس الليـ ـلُ وضل الهادي وحار الدليلُ
فتأملتُها وفكري من البين عليلٌ وطرف عيني كليلُ
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنىوغرامي ذاك الغرام الدخيلُ
إلى آخر ما قال في هذا الإبداع، ولا أستطرد
منقول للفائدة