مدخل : سئل سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز عن رؤية المخطوبة ، فأجاب – رحمه الله - : " لا شك أن عدم رؤية الزوج للمرأة قبل النكاح قد يكون من أسباب الطلاق ، إذا وجدها خلاف ما وصفت له ... ، وهذا من محاسن الشريعة التي جاءت بكل ما فيه صلاح للعباد وسعادة المجتمع في العاجل والآجل ، فسبحان الذي شرعها وأحكمها ، وجعلها كسفينة نوح ، من ثبت عليها نجا ، ومن خرج عنها هلك " ]مجلة الدعوة] .
صلب الموضوع : جلس شخص أعرفه وأحد الإخوة من بلاد مصر العريقة -تلك البلاد التي يتميز شعبها بأمثالهم الجميلة- ودار رحى حديثهم حول الزواج وأعرافه وتقاليده ، ومع الشد والجذب والأخذ والعطاء صاح الأخ المصري قائلاً : يا عمي الزواج عندكم في السعودية مثل اللي عاوز يشتري بطيخة هو وحظه بعد ما يفتحها !!!
صفقت بحرارة بالغة لهذا الأخ الحكيم . وحاولت أن ]أصفق] كل من يرفض أن يصفق له .
نعم هو أتى بالحقيقة رغم مرارتها . فكم لدينا من عادات وتقاليد ومواريث في زواجاتنا لا قيمة لها أمام أحكام الشرع الحنيف والدين القويم ؟؟!!
أحد تلك العادات المتوارثة في الزواج ، ألا يرى الخاطب مخطوبته إلا نظرة التملك !! أتعلمون ما هي نظرة التملك ؟؟
إنها النظرة التي ليس بعدها أي قرار للرجوع . فهو لا يراها إلا في يوم زواجه ، وهنا يكون قد وقع الفأس بالرأس ، فلا رجوع ولا صوت ، وكما قيل : ما ينفع الصوت بعد ما فات الفوت !! وقد تكون هذه النظرة هي رصاصة الرحمة التي تطلقها تلك الزوجة على شريك حياتها فتقتل آماله وأحلامه .
لذا فنحن -في بعض الأحيان وفي بعض المناطق- نتزوج بناءً على قاعدة شراء البطيخة . وماذا يفعل من أراد شراء البطيخة إلا أن يقلبها [يمين وشمال] ، هذا إن كان صاحب البطيخة رجلاً محترماً ، وإلا فقد يزجرك ويطردك من محل البطيخ إن أردت حتى أن تقلب البطيخة إن كان صاحب البطيخة رجلاً يحمل العادات والمواريث التي مات أصحابها من آلاف السنين !!
ومشتري البطيخة -للأسف- لا يعلم ما بداخلها ثم يدفع مهر هذه البطيخة ، ويركض مهرولاً لداره ليفتح هذه البطيخة ، وهو في حالة قد قفز قلبه من بين ضلوعه خوفاً وطمعا . خوفاً ألا تكون [الأخت بطيخة] مناسبة له . وطمعاً في أن يرى منها ما يعجبه .
لنأخذ الجانب الحسن من شراء هذه البطيخة ، ونقول بأنها قد أعجبت هذا المشتري ، وهنا سنصفق لصاحب البطيخة ، لأنها قد باع أجود أنواع البطيخ . وبعد ذلك نبدأ نسوِّق لصاحبنا المحترم على بطيخاته الجميلات . رغم أن الله رحم المشتري وستر على البطيخة من الرمي إلى الجحيم .
ولكن في الجانب الآخر قد لا تعجب هذا الرجل البطيخة ، ولا تتماشى مع ذوقه !! حينها -أخبروني أعزائي القراء- ماذا سيفعل هذا المسكين ]المغشوش] ؟؟ هل سيصبر على ]شين] البطيخة ويبلع مرارتها وسوء طعمها ؟؟ ]وياويله] من أطنان الأحزان والهموم والمشاكل على هـ ]البطيخة الشينة] . أم هل يحاول بصاحب البطيخ لأن يستبدل البطيخة بأخت لها أجود منها ؟؟!!
بالطبع لا و ألف لا !! لأن البطيخة قد دخل بها ]عفواً فقشها] وأصبحت ملك له .
إذن لم لا يجتمع أصحاب محل البطيخ في كل مكان ويعلنوا تطبيق الحق ، ويتكاتفوا لإنجاح سوق ]بطيخهم] ؟؟ وذلك بأن لا يبيع أحدهم ]بطيخته الكريمة] إلا بعد أن يريها مشتريها ويجعله على بينة من أمره . وهنا يكون قد برأ ذمته ، ولم يغش صاحبه ، ولم يظلم ]بطيخته] . لأن البطيخة قد ترمى وتهمل ولا يلتفت لها مشتريها إن كانت على غير ما يريد . وهنا نكون قد كفرنا بنعم الله ، ولم نوفها حقها .
إخواني ، أخواتي : بعيداً عن سوق البطيخ ومشاكله .
لابد لنا أن نقف ضد العادة الموروثة بجهل وهي منع الخاطب من رؤية ما يدعوه لنكاح مخطوبته . فهذا ظلم للزوج وظلم للزوجة . وبُعدٌ عن الهدي النبوي ، ففي حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- قال: خطبت امرأةً فقال لي رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- : " أنظرت إليها ؟ " ، قلت : لا ، قال: " فانظر إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما " . أي: تدوم المودّة والألفة بينكما .
قال ابن قدامه في المغني : " لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها " .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -في شرحه الممتع- : " إن ظاهر السنة أن النظر إلى المخطوبة سنة ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أمر به وقال: " فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " ، أي : يؤلف بينكما " .
فللخاطب أن يرى الوجه والكفين واليدين وقدمي خطيبته ورأسها ، وله -أيضاً- أن يتحدث معها بلا خلوة .
ولا مانع أن الخاطب يتراجع عن خطبته إن لم تعجبه المخطوبة -إن كان صادقاً في خطبته- ، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا جناح على أحدكم إذا أراد أن يخطب المرأة أن يغترها فينظر إليها فإن رضي نكح وإن سخط ترك " .
نقطة آخر السطر : أعجبني أحد الرجال ]وكثير ماهم] بتصرفاته الرجولية . حيث إنه يشترط عند زواج أحد أخواته أن ينظر الزوج لها . ويقول : في حالة أن الزوج رفض الرؤية ، فأنا أوصيه بشدة أن يراها ، وأذكره بهذه السنة وبعواقب النظر للمخطوبة وعدم النظر لها . فإن تنازل فقد أسقط حقه ، وبرئت ذمتي .
فشكراً لك صديقي فأنت حقاً رجل أفتخر به وبعقليته الفذة وبحرصه على العدل وعدم الظلم وتطبيق هدي نبيك -عليه السلام- .