أيها الإنسان الحي هل تسمع ندائي القادم من أعماق الأرض؟ وهل ستلامس نبرات صوتي المبحوح جدار سمعك؟ أحس أن الأحياء قد أغلقوا سمعك بضجيج أصواتهم المزعجة، ولكن حاول أن تصغي لقولي المدفون فلن تجد من يصدقك الحديث مثلي ولن تجد مرشداً أميناً يسديك النصائح مثلي !!
أيها الإنسان الحي: كم أنا لك حاسد، وكم يقطع قلبي الحسرات، وتمزق نفسي الآهات، على ما أنت فيه...
إنني لا أحسدك على مالك الوفير ..
ولا على منصبك الكبير..
.
ولا على قصورك العالية ..
إنني أحسدك على شيء زهيد عندك أحسدك على دقيقة واحدة فقط، من مجموع الدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين التي تعيشها، وقد عشتها قبلك..
نعم على دقيقة واحدة والحسرة أنها من المستحيل أن نملكها أو حتى نفكر في امتلاكها نحن الأموات، لقد عرفت قيمة هذه الدقيقة منذ أن قدم ملك الموت لقبض روحي، وإلى الآن لم أزل أتجرع مرارة فقدانها وانصرامها ...
لقد عشت ملايين الدقائق وآلاف الساعات ومئات الشهور...
ولم أكن أتصور أنني سأحتاج إلى دقيقة واحدة فيُحال بيني وبينها، لقد كانت الدقائق من أبسط ممتلكاتي التي ربما وزعت منها الكثير الكثير على نفسي وعلى الناس بدون أي حرج أو ضيق، بل على أمور أنا اليوم أحاسب عنها .. وأصطلي بنار تضييعها والتفريط فيها . B
يا لها من حسرات تفتك بالفؤاد حين أتذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) لقد عرفت الغبن وذقت مرارته حتى الثمالة .. وقبل ذلك علمت علم اليقين ماذا تعني الدقيقة الواحدة في حياة المرء ..يا ليتني يوم كنت فارغ البال نشيط القلب ذكرت الله وحمدته واستغفرته ..
يا ليتني يوم كنت أنام الساعات الطوال في الليالي الطويلة قمت وصليت ركعتين في جنح الظلام .. ليتني تصدّقت من أموالي وعقاراتي وأرصدتي وأنفقت منها الكثير في سبيل الله ..
أيها الإنسان: أدرك عمرك قبل فواته .. وزهرة شبابك قبل ذبولها .. وربيع صحتك قبل خريفها ..
وتذكر أن وقتك أعز ما تملك، فاعمره بصالح القول والعمل، واجعل من ليلك ونهارك مزرعة للطاعات وفعل الصالحات .. وبادر بالتوبة عقب كل صغيرة وكبيرة فأعظم باب أغلق دوننا هو باب التوبة .. حين خرجت أرواحنا من أجسادنا .فاللبيب من اتعظ بغيره، ولن تزال بخير ما كان لك من قلبك واعظاً،