نحو هوية تتحدى الذوبان (1)
فقد الهوية وأثره على السلوك
تعد الهُوِيَّة بمكوناتها من المُؤثرات في سمات الشَّخصيَّة؛ فهي تعريف لصاحبها فكرًا وثقافة وأسلوبَ حياة، فإذا كانت الهُويَّة واضحة مُستقرة، اكتسبت الثَّبات والرسوخ، وإذا كانت مُضطربة ومُتناقضة، جعلته يُعاني انحلالاً وتميُّعًا في عقيدته وأخلاقه وسُلُوكه؛ فالهُويَّة هي التي تحفظ سياج الشَّخصية، وبدونها يتحوَّل الإنسان إلى كائن تافهٍ تابعٍ مُقلّد، وفي شبابنا اليوم مَن تتسم هُويته بالفوضى والارتباك والقَلَق؛ بسبب التَّقليد الأعمى لليهود والنَّصارى والتَّشبُّه بهم؛ فقد أقسم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - بقوله: ((لتَتَّبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذَّة بالقُذَّة، حتَّى لو دخلوا جُحر ضبِّ لدخلتموه))؛ وهذا يدلُّ على شدة اتِّباع بعض هذه الأمَّة لليهود والنَّصارى في عقائدهم وقيمهم.
وتعدُّ وسائل التِّقْنية الحديثة والمعلوماتيَّة والإعلام بِمختلف أنواعه - منْ أهم وسائل الأعداء في طمس هُوية الشَّاب المسلم ومَسخها، بما تَملكه من وسائل إعلام وتضليل: من فضائيَّات وإنترنت، وصُحُف ومَجلات، ووكالات أنباء وغيرها، إضافة إلى ما تحمله من عوامل إباحيَّة وتغريب تُسيء إلى المرأة المُسلمة، وما العولمة إلاَّ أداة فاعلة لتغريب العالم واستعماره بقُوة، تحت مظلَّة الانفتاح وتحقيق ما سمَّوه بالقرية الكونيَّة؛ فقد بان أَثَرُ العولمة على الأجيال المُسلمة، من صغار وكبار، ومُراهقين وشباب وشابَّات، تَمثَّلت خُطُورتها في إضعاف العقيدة والقيم والعادات والأخلاق لدى شَبابِنا؛ فمُعظم البَرامج التي تبثُّ بواسطة إعلامنا - نِصفُها مأخوذٌ من الإعلام الغربي - تعتمدُ على الجريمة والاغتصاب، والقتل والإباحيَّة، وإثارة الشَّهوات؛ حيثُ أصبحت كلُّها مُوجهة لخدمة الغرب والأعداء، وتعتمد كذلك على الإبْهار والإعجاب بما لدى الغَرْب، هذه البرامج خلَّفت هزَّات عنيفة في نفسيَّة الطِّفل والمُراهق والشَّاب؛ فَفَقَدَ هويته، ولم يجد تجاه هذا الزَّخْم الفضائي إلاَّ أن يتفاعل ويتقمَّص ويقلد شخصيات أبطال هذه البرامج والمسلسلات؛ لاعتقاده حَسَبَ خبراته المحدودة أنَّ ما يشاهده هو الصحيح.
ونحن نتساءل بكُلِّ صدق: ما واقع شبابنا بعد أنْ يشاهدوا هذه البرامج: (برنامج سوبر ستار، وستار أكاديمي، أو مُسلسلات تركيَّة أو مكسيكية مدبلجة)؟
والسؤال الذي نطرحه أيضًا على كلِّ شاب مُسلم: هل هذه البَرامج المُفرطة في اللَّهو برامج يُقصد منها التَّرفيه والتسلية فحسب، أو يكْمُن وراءها مُخطط صِهيَوني يعمل على إبعاد المُسلم عن قضايا أمَّته ووطنه؟
والذي يقرأ واقعَ الشَّباب في العالم الإسلامي والعربي يَرَى تأثيرها على السُّلوك والأخلاق، والزِّي والعادات، واتِّباع الموضة الغربيَّة حدًّا وَصَلَ إلى الهَوَس والتَّقديس لها، فلم يعُد غريبًا أن ترى شبابًا ومراهقين تخلَّوا عن هويتهم، بملاحقة ركاب الموضة الغربية باسم "التَّقدم والعصرية"، همه الأوَّل التَّميُّع والتزين.
أنتم ترون "الموضة" كيف تلاعبت بعُقُول وأجساد مَن يتبعهم، يُشكلونهم كيفما يشاؤون، تارة يجعلون الرَّجل أنثى، وتارة يجعلون الأنثى حشرة؛ مِمَّا سهل مُهمة مُصدِّري الموضة في سلخ من يتبعهم عن دينه وقِيَمه ومبادئه وأخلاقه النَّبيلة، فلا تستغربْ أن ترى شبابًا قد وضعوا الأقراط في آذانِهم، والحلي في مَعاصمهم وأعناقهم، وكشفوا عن عوراتِهم، وتفنَّنوا في حلاقة شُعُورهم، وفي ألوان ملابسهم؛ إنَّها الموضة، ولا تُمانع الفتاة في التَّعري وإظهار مَفاتن جسدها، مع شيء من التَّميُّع باسم الموضة، والاستسلام والانقياد لتنوُّعها دون حُدُود أو قيود، وما ذاك إلا لفقد الهوية الإسلاميَّة.
س: أمامنا فئة من الجيل تقتات على (البلاي ستيشن)، وعلى قنوات تتعمَّد إيصال قيم غريبة عن فطرة هذا الطِّفل؛ كيف نستطيعُ تشكيل هُويَّة الأطفال والمُراهقين رغم كلِّ التَّحديات والتهديدات؟
نحتاج للإجابة عن هذا التَّساؤل إلى جهات عدَّة ذات علاقة بالجيل الناشئ، ولكنْ يَتبادر إلى ذِهني سؤال مُهم: كيف نستخدم الإعلام استخدامًا أمثلَ لبناء شخصية الأطفال والمُراهقين؟
هذه المسألة ذات أبعاد كثيرة:
البُعد الأوَّل: البيت، ومُهمته أساسيَّة في تحصين الطِّفل ضِدَّ حُمَّى أفلام الكرتون، وألعاب (البلاي ستيشن، والقيم بوي، والأتاري)، وغيرها، وإحلال البديل النافع، الذي ينفَعُ ولا يضر بالجوانب النَّفسيَّة والصحية والعقدية لهذه الفئة، ولا بُدَّ من التَّلاؤم بين ما يُقدم في المدرسة والبيت؛ حتَّى لا يكون الطفل والشاب عرضة للتناقض والحيرة في القيم والمفاهيم، تجعله في النِّهاية لا يستطيع اختيارَ الأفضل له، خاصَّة وأنه لا يزال في مرحلة البناء، وعندما يتعاضد البيت والمدرسة في بيان الطَّريقة المُثلى لاستخدام هذه الألعاب الإلكترونية، واستغلال ما يُقدَّم في وسائل الإعلام الصالح في تنشئة الطِّفل والمراهق التنشئة الطيِّبة - سيسهم في البناء النَّفسي والفكري والأخلاقي، وسيكون كلٌّ منهما قادرًا على أن تكونَ له شخصيته وهُويته المُستقِلَّة في الحياة، شخصية تتَّسم بالذكاء والعطاء، تُميز الغثَّ من السمين، وتُحسن اختيارَ النافع، وتميزه عن الضارِّ بطواعية من دون فرض وإلزام، خاصَّة ونحن نعيشُ أجواءً مفتوحة للثَّقافات، وكُل التي تنضح بما لديها، فعلينا أن نُشعل جَذْوة الإيمان في نفوس أبنائنا، ونبنيها بناءً صحيحًا مُتكاملاً مع عمل البيت والمسجد والمدرسة؛ حتَّى نقنع الشَّباب أن الغرب أهدى للشَّرق مساوئه: القلق، وعدم الرِّضا، وتقديس الحياة، والتَّحرر من الأديان، وهذه هي أوَّل خُطوة للوقوف ضِدَّ الإعلام الغاشم، وأوَّل لبنة في جدار القناعة الرَّاسخة بعُلُوِّ ديننا وأنه فوق الأديان.
أمَّا الخطوة الثانية: أن نكشف لشبابنا حقيقةَ الجوانب السلبية للحضارة الغربيَّة، والتوعية بنتائج هذه الجوانب الفكرية والعلميَّة، وتعرية صُورها مُمثلة في الحوادث الواقعيَّة، وفي تصريحات الساسة والمُفكِّرين، لا بقصد إثارة الكراهية ضِدَّ الغرب، وإنَّما إثارة الكراهية ضد المبادئ الشِّرِّيرة في الثقافة الغربية، وأنْ يهتم المُربون بهذه النَّواحي، وأن يُضمِّنوا مناهج الدِّراسة عناصر كافية للوفاء بهذا الغرض.
الخطوة الثالثة: ولا بُدَّ من إنعاش روح الأمل لدى المُسلم، وتذكيره: بأنَّ مقتضى دينه الإيمان الذي لا يتزعزع بأنَّ السلام مُمكن على وجه الأرض، وأنَّ الأرض سوف تُملأ عدلاً كما مُلِئت جَوْرًا، وأن نور الله - الذي تريدُ قُوى الشَّر أو الإشراك أن تُطفئه بأفواهها - لا بُدَّ أن يتم.
ويقول صالح الحصين: "وأصبح المُسلم الآن أكثر استعدادًا للثِّقة بمنهج الإسلام، وأنَّه طوقُ النَّجاة للعالم إذا أراد أن يتغلَّب على قوى البشر"؛ [صالح الحصين في كتابه "العلاقات الدوليَّة بين منهج الإسلام ومنهج الحضارة المعاصرة"، (ص: 86 - 87)].
وهذا ما قاله قادة الغرب: دمِّروا الإسلام، أبيدوا أهله، وإليك شاهدًا من تصريحاتِهم في مُؤتمراتهم:
يقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا سابقًا: "ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوروبا السَّيطرة على الشرق". شامل صور صور زفاف عروسين صور رومانسية ساخنة صور زواج ساخنة صور هبل بنات صور رومانسية جامدة صور حب وعشق صور عبارات عن الحب صور ايات قرانية صور تركية مؤلمة ومؤثرة صور عيد ميلاد صديق صور تورتة عيد الكريسماس صور لأهل العروسة صور كلام من القلب صور تورتة راس السنة الميلادية صور بحبك موت صور كلمات تعبر عن الحب صور احضان رومانسية صور حب زوجين صور قصف جبهات صور زوج مع زوجته صور حيوانات صور هدايا عيد الحب صور تشابك ايدي الزوجين صور شكل البنت اذا صور كلام حب صور بيبي حلوين صور حزينة عن الحب صور كلام حب حزين صور اشكال مضحكة صور تورتة عيد ميلاد بنات رمزيات حب اعمى صور طريفة صور امومة صور تورتة عيد الميلاد للزوجة خلفيات عن الام صور حب تركية صور فكاهية مضحكة صور تركية حزينة صور تورتة عيد الميلاد للزوج صور رمزيات عن الاب والام صور تورتة عيد الميلاد للاطفال صور كل عام وانت بخير صور واتس اب عن الام صور دعاء للاب والام صور تورتة عيد الميلاد للام صور كوميدية صور ظروف رسائل حب صور مسخرة.
ويقول مورو بيرجر في كتابه "العالم العربي المعاصر": "إنَّ الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمَّة العربيَّة ليس ناتجًا عن وُجُود البترول بغزارة عند العرب؛ بل بسبب الإسلام، يجب مُحاربة الإسلام، للحيلولة دون وحدة العرب، التي تُؤدِّي إلى قوة العرب؛ لأنَّ قوة العرب تتصاحب دائمًا مع قُوَّة الإسلام وعزته وانتشاره؛ إنَّ الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في العالم شرقه وغربه".
الخطوة الرابعة: بناء الثِّقة بين العُلماء والنَّاس، والعلماء والشَّباب من جهة أخرى، فمن المؤكد أنَّه متى ما حصل إشراك العُلماء في مسائل النَّاس وقضايا الشَّباب، وشاركوهم همومَهم، وأتيحت لهم الفُرصة للقيام بواجبهم تجاههم وتجاه إصلاح الحياة - فسيكونون بلا شَكٍّ موضعَ ثقة الناس والشباب، وستعودُ هذه العلاقة وتلك الثِّقة بالانقياد والطاعة والتعاون؛ حيثُ يشعر كلٌّ منهم بأنَّ له شأنًا ودورًا مُهمًّا في الحياة، وسيحصل تبعًا لذلك حبُّ دين الله والإقناع به والدَّعوة إليه؛ حيثُ يرى الشباب واقعًا حيًّا، يشهد بصلاحيَّة الدِّين لإدارة دفَّة الحياة إدارةً سليمة، تُثْمر عزة وفخرًا بالانتساب لهذا الدِّين، ويعلم الله كَم هي حاجة الشباب إلى ذلك! فهل يعي الدُّعاة والعلماء ذلك؟ هذا ما أرجوه.
الخطوة الخامسة: وهي امتداد للخطوة السابقة، لا بُدَّ أن تعرض أمام شبابنا شخصيات معاصرة، انطبعت بتلك الصبغة الإسلاميَّة الرَّشيدة؛ يُشاهدها أمامه عبْر اللِّقاء المباشر، أو التعريف بها في وسائل الإعلام؛ فمثلاً: هناك برامجُ تعرضُها قناةُ المجد، تَهدف من ورائها إلى التعريف بالشخصيات البارزة، التي أثَّرت في حياة النَّاس بإسهاماتها المُميزة، وأصبحت نموذجًا يُحتذى في تعامُلها وأخلاقها وأفكارها النَّيِّرة، وهم كثير - بحمد الله - ويُمكن طرح نماذج من الواقع لنساء أسهَمْن في خدمة الدين برأيهن وفكرهن وقُوَّة حجتهن، يكُنَّ مثلاً للفتيات، وهن غيرُ قلائل - ولله الحمد.
يقول الشاعر:
وَكَانَتْ فِي حَيَاتِكَ لِي عِظَاتٌ وَأَنْتَ الْيَوْمَ أَعْظَمُ مِنْكَ حَيّا
وحبَّذا لو كانت هذه النَّماذج قريبة من الشَّباب والفتيات، فيتلقفون منها سُلُوكياتِهم؛ حتَّى لا يُظَنَّ أنه مع هذا الواقع المشحون بالتَّميُّع والازدواجية لا توجد أمثالُ تلك الشَّخصيات الفذَّة إلاَّ في الزَّمن البعيد، أو بين بطون الكتب.
أختم القول: إنَّه يجبُ حماية الطِّفل والشاب من المُغريات التي تُحيطُ بهما وإحصانهما منها؛ وذلك بتبصيرهما بالغَزْو الفكري، وأهدافه، وخباياه الخبيثة، وجذوره المُتفرِّعة هنا وهناك مُنذ سنينه الأولى، وتبصيرهما بالتَّحدِّيات التي تُواجههما في حياتهما؛ حتَّى يدركا خطورة الموقف، ويحرصا مُنذ الصِّغر على صقل شخصيتهما، والحفاظ عليها من كلِّ دخيل، وتزرع فيهما الرِّقابة الذاتية الواعية على وسائل الإعلام، التي يلج الطِّفل والشابُّ عالمها؛ فلا يكونا لسُمُومها لقمة سائغة، ولا يُمْنعا منها قَسْرًا[1]، بل الأسلمُ أن يتعرَّف الطِّفل عليها مع والديه، وتحت نقدهم وإرشادهم وتوعيتهم لذلك السُّم المدسوس في العسل؛ فينشأ قويًّا مُتماسكًا يحمل بين يديه أسلحة مَتينة، يستطيع أن يقفَ بها صامدًا أمام تلك التيارات العاصفة.
ولا بُدَّ أن يزود الشَّاب، ويعطى الملكات، وأدوات البَحْث عن أصول دينه وقيمه، والثروات الحقيقية التي تزكِّيه وتزوده بغذاء الرُّوح والعقل؛ لتكون شخصيته قادرةً على العمل والتأثير والفعالية في المجتمع.